المادة    
تبقى قضية الآثار؛ ثبت أن عاداً بنت الأهرام أو بنت في اليمن أو بنت في تدمر لا إشكال فيها، فهذه قضايا بحثية يبحثها أي إنسان، ويبحثها العلم.. ويبحثها التاريخ، وربما البشرية حتى الآن لم تصل في البحث إلا إلى مستوى بسيط جداً؛ لكن ليست هذه مشكلة, فالمهم ما يتعلق بنظرية التطور, فلا شك أنه عندما يثبت وجود هذه الأمم بهذا الشكل يبطل نظرية التطور بنوعيها أو بشقيها: العضوي, والفكري.
  1. إبطال نظرية التطور العضوي

    أما العضوي فيبطل؛ لأنه حتى الآن لم يثبت وجود أي حلقة من الحلقات المفقودة أو الموصلة ما بين جنس وجنس، يعني: ما بين النباتات والأحياء, ثم ما بين -مثلاً- رتبة الأسماك والبرمائيات، ثم البرمائيات والأسماك والطيور، ثم الطيور إلى الثديات.. لا يوجد شيء يثبت هذا! فالموجود إما هذه الأجناس مستقلة منفردة كما نشاهدها اليوم، وإن وجد فهو شيء ضئيل جداً؛ هو ما يكون تشويهاً خلقياً, والتشويه لا يعتبر حلقة، الداروينية أرادت أن تحشر أو تحاول البحث عن أي خلق مشوه لتجعله حلقة وصل، وافتروا في سبيل ذلك ما أشرنا إليه في الحلقة الماضية؛ أن اصطنع بعضهم جماجم معينة وفكاكاً معينة, وقد ثبت الآن بعد خمسين سنة أو أكثر أنها كانت مفتعلة.
    إذاً: عندما يثبت وجود هؤلاء العمالقة الضخام فهو يؤكد تأكيداً قطعياً ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم, وما لمح وأشير إليه أيضاً في التوراة من قبل: أن هذه الأمم السابقة أعظم منا, وأنهم خلق مستقل خلقه الله تبارك وتعالى, وأبعد ما يكون عن الحيوان.
  2. إبطال نظرية التطور الفكري

    كذلك من ناحية التطور الفكري يصبح أن هؤلاء الذين بنوا هذه الأبنية وشادوها, وكتبوا عليها ودونوا عليها, وبعضها لا يزال محفوراً ومعروفاً, وبعضها لم يعرف بعد، هم كانوا بالفعل على دين, وعلى معرفة بالله سبحانه وتعالى, وعلى إيمان باليوم الآخر، وإن كان بعضهم يغلب عليه الشرك، ولكن يمكن أن تكون هناك فرضية نطرحها ونعتقد صحتها؛ وهي: أن بعض العبارات الشركية, وبعض المخالفات هي تأويل أو إضافات على النصوص الأصلية التي كانت للبعض! لا نقول: إن كل ما كتب من نقوش كتبها موحدون؛ لكن نقول: الموحدون كتبوا, ويأتي من بعدهم فيضيف أو يعدل. وهذه الكعبة بيت الله الحرام بناها إبراهيم عليه السلام على التوحيد, ومع ذلك نجد أن العرب ملأوها ووضعوا فيها الأصنام؛ فلو جاء من يبحث في الآثار, وقال: هذه الأصنام وضعها إبراهيم لكان كاذباً! بل إنهم صوروا إسماعيل عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، وكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, فما كان ليفعل ذلك, فما يضاف إلى الآثار أو الأبنية الموجودة لا يمكن أن يحسب أنه أصل هذا البناء. الكتابات التي على الأهرامات أيضاً لا يمكن أن نقول: إنها فعلاً تعود إلى الفرعون الذي كُتبت ونسبت إليه هذه الكتابات. إذاً: هذا يؤكد أن البشرية في تاريخها كله الطويل القديم كانت على التوحيد, وعلى استقامة في الخلْق والخُلق, والفكر والدين والاعتقاد، ولكنها تهبط فيأتي الله تبارك وتعالى إليها بالرحمة, وهم الأنبياء يُنزل عليهم الوحي فيرتفع بهم، ثم تَنْزل ثم يأتي بالأنبياء وهكذا؛ حتى جاء الدين الخاتم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ليظهره على الدين كله, وسوف يظهر على الدين كله بإذن الله تبارك وتعالى.